التأثير الجيوسياسي للصين في القرن الواحد والعشرين: صعود القوة الصينية وتحديات النظام الدولي القائم

19 يناير 2025
ذ.ابراهيم النوحي

الملخص:

في القرن الحادي والعشرين، شهدت الصين صعودًا غير مسبوق كقوة اقتصادية وعسكرية عالمية، مما أدى إلى تحولات كبيرة في النظام الجيوسياسي الدولي. بدايةً من أواخر الثمانينيات، بدأت الصين تطورها كقوة اقتصادية من خلال سياسات الإصلاح والانفتاح التي أطلقتها في عام 1979. هذه السياسات مكّنت الصين من التحول إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2023، مع تجاوز حجم اقتصادها 17 تريليون دولار، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 189.13 مليار دولار في عام 2022.

من الناحية الدفاعية، تركز استراتيجية الصين على حماية سيادتها ومصالحها التنموية، خصوصًا في بحر الصين الجنوبي وتايوان، حيث تبنت الصين مبدأ “الدفاع النشط” لتحديث قواتها المسلحة وتعزيز قدراتها البحرية. تسعى الصين إلى استخدام قوتها العسكرية بطرق سلمية مع التركيز على بناء رادع قوي ضد التهديدات المحتملة.

على الصعيد الدبلوماسي، تبنت الصين مبادئ تهدف إلى تعزيز علاقات دولية قائمة على المساواة والعدالة واحترام السيادة. ومع ذلك، واجهت انتقادات من بعض المراقبين الذين يرون أن هذه السياسات قد تكون مدفوعة بشعور الصين بالتنافس مع الدول الأخرى. تحاول الصين التوفيق بين استخدام الوسائل “الناعمة”، مثل الدبلوماسية والثقافة، والقوة الصلبة، التي تشمل القوة العسكرية، لتحقيق أهدافها الدولية.

أحد أهم التحديات التي تواجهها الصين في سياستها الخارجية هو إدارة علاقاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي قد تكون غير مرحبة بنفوذ الصين المتزايد.

ختامًا، تسعى الصين إلى استغلال قدراتها الاقتصادية لبناء نفوذ دولي من خلال مشاريع مثل مبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى تعزيز الربط بين الصين والدول الأخرى عبر البنية التحتية والاستثمارات. هذه الاستراتيجية تمزج بين الأدوات الناعمة والقوة الصلبة لتحقيق مصالح الصين في عالم متغير، مع السعي لبناء علاقات دولية متينة قائمة على التعاون الاقتصادي.

هذا الملخص يبرز الأبعاد المختلفة للتأثير الجيوسياسي للصين في القرن الحادي والعشرين، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية والدفاعية والدبلوماسية التي جعلت الصين لاعبًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل النظام الدولي.

Summary of China’s Geopolitical Influence in the 21st Century

In the 21st century, China has experienced an unprecedented rise as a global economic and military power, leading to significant shifts in the international geopolitical landscape. Starting in the late 1980s, China began its development as an economic powerhouse through the reform and opening-up policies initiated in 1979. These policies enabled China to become the world’s second-largest economy by 2023, with its economy surpassing $17 trillion and attracting $189.13 billion in foreign direct investment in 2022.

Defensively, China’s strategy focuses on protecting its sovereignty and developmental interests, particularly in the South China Sea and Taiwan. China has adopted the principle of “active defense” to modernize its armed forces and strengthen its naval capabilities. While emphasizing peaceful means, China also seeks to build a strong deterrent against potential threats.

Diplomatically, China has embraced principles aimed at fostering international relations based on equality, justice, and respect for sovereignty. However, it has faced criticism from some observers who believe these policies may be driven by China’s sense of competition with other nations. China attempts to balance the use of “soft” tools, such as diplomacy and culture, with “hard” power, including military strength, to achieve its international objectives.

One of the major challenges China faces in its foreign policy is managing its relationships with major powers like the United States and European countries, which may be wary of China’s growing influence.

In conclusion, China seeks to leverage its economic capabilities to build international influence through initiatives like the Belt and Road Initiative, which aims to strengthen connections between China and other countries through infrastructure and investments. This strategy combines soft tools with hard power to achieve China’s interests in a changing world, while aiming to build strong international relations based on economic cooperation.

المقدمة

في القرن الحادي والعشرين، أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأسرع الاقتصادات الكبرى نموًا. ومع هذا الصعود، يواجه النظام الجيوسياسي العالمي تحديات غير مسبوقة. تتبنى الصين منظورًا يركز على الجنوب العالمي، ساعية إلى إنشاء بديل للمؤسسات الدولية التقليدية التي تهيمن عليها القوى الغربية. وفي هذا السياق، تسعى مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI) إلى استثمار تريليونات الدولارات في بناء البنية التحتية من طرق وجسور وموانئ تربط الصين بالدول النامية في آسيا، إفريقيا، أوروبا، وأمريكا اللاتينية. وقد وقعت 91 دولة اتفاقيات مع الصين لتعزيز الاتصال والتنمية في إطار هذه المبادرة.

يأتي صعود الصين على الساحة الدولية متزامنًا مع بروز الجنوب العالمي، مما يوفر فرصة لانخراط غالبية الدول غير الغربية في النظام الدولي. في السياق الأكاديمي السائد، يشير مصطلح “الجنوب العالمي” إلى الدول النامية التي خضعت تاريخيًا للهيمنة الإمبريالية. في عصر التحولات الكبرى، يصبح تكتل  “الجنوب العالمي” ضرورة لحماية وجود دوله وسيادتها ومصالحها ضد تهديدات الهيمنة من القوى الكبرى. لذا، تحتاج هذه الدول إلى تشكيل تحالفات استراتيجية لتعزيز قوتها الوطنية ومواجهة التحديات التي تفرضها القوى العظمى المهيمنة، بسبب التفاوت الكبير في القوة داخل النظام الدولي. برز صعود الصين كقوة عالمية مع تطور اقتصادات “المعجزة” في شرق آسيا منذ أواخر الثمانينيات، وخاصة خلال التسعينيات. وقد تسارع هذا الصعود على الساحة الدولية بعد أن ألغت الصين العقوبات المفروضة عليها إثر حادثة ساحة تيان آن من عام 1989، وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) في عام 2001. هذا الصعود تزامن مع التفاؤل العالمي السائد في تلك الفترة بشأن “العالم ما بعد الحرب الباردة” و”نهاية التاريخ” و” سيادة نظام العولمة” (Smith,”The Rise of China in the 21st Century”, 45).

1.السياق التاريخي للصعود الصيني

بدأت الصين مشروعها الكبير للتنمية الاقتصادية في عام 1979 تحت شعار “الإصلاح والانفتاح”، مما عزز من قوتها داخليًا، خاصة بعد تجاوز تداعيات مذبحة ساحة تيان آن من. تميزت هذه المرحلة باحتضان الصين لنموذج اقتصادي وسياسي يعتمد على السوق وموجه نحو الغرب، مما ساهم في بناء صورة دولية لصعود سلمي للصين كقوة عظمى مغايرة تمامًا للقوى المهيمنة التقليدية

(Dupont,”La montée de la Chine au XXIe siècle”, 67).

تستند سردية الصعود السلمي للصين إلى ثقتها الراسخة في مسار التنمية الذي اتبعته الدول الغربية. وقد روجت الصين لهذه السردية كاستجابة عقلانية لوضعها كدولة كانت ضعيفة وفقيرة، لكنها استمرت في تعزيز قوتها الوطنية من خلال سياسات وممارسات اجتماعية واقتصادية، مما عزز الاعتقاد بأن صعودها يمكن أن يكون سلميًا ومفيدًا للجميع. كما سعت الصين إلى تعزيز هذه الصورة من خلال الاسترشاد بنماذج التنمية الناجحة في شرق آسيا ومحاولة معالجة المظالم التاريخية، بهدف بناء مكانتها كقوة عالمية سلمية (يوسف،”الصين في القرن الحادي والعشرين: صعود القوة الصينية وتحديات النظام الدولي القائم”، 23).

وتجسدت فكرة الصعود السلمي للصين في مبادئ سياستها الخارجية، مثل “السعي للصداقة وبناء السلوك الودي” و”الحفاظ على التوترات في مستوى منخفض” وعدم القيادة” و”معاملة الدول على قدم المساواة”. هذه المبادئ أصبحت جزءًا من نهج الصين في علاقاتها الدولية منذ نهاية الحرب الباردة الأيديولوجية، مشيرة إلى تحول نحو استراتيجية تركز على الصعود التدريجي والمدروس .

(Smith,”The Rise of China in the 21st Century”, 58).”

2.الطفرة الاقتصادية الصينية

على مدى العقود القليلة الماضية، نفذت الصين سلسلة من السياسات الطموحة التي تهدف إلى فتح أسواقها وتعزيز الاستثمار الأجنبي، مما ساهم بشكل كبير في تحولها إلى واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم. تضمنت هذه السياسات تخفيضات ضريبية مشجعة، واستثمارات ضخمة في البنية التحتية، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة (SEZs) تقدم حوافز متعددة لجذب الشركات الأجنبية. بحلول عام 2023، تجاوز حجم الاقتصاد الصيني حاجز الـ 17 تريليون دولار، مما جعله ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة. كما جذبت الصين استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 189.13 مليار دولار في عام 2022، بزيادة ملحوظة عن السنوات السابقة، مما يؤكد جاذبيتها المستمرة للمستثمرين الدوليين .

(Smith, China’s Economic Expansion, 102)

على الرغم من أن بكين تحدد الاستراتيجيات العامة، فإن الحكومات المحلية تلعب دورًا رئيسيًا في تنفيذ هذه السياسات بشكل سريع وفعّال. وقد أدى ذلك إلى تفاوت في الأداء الاقتصادي بين المناطق، حيث تجاهلت بعض الحكومات المحلية التشريعات الوطنية لتحقيق أهدافها الخاصة، مما أدى إلى بيئة غير متسقة في مختلف أنحاء البلاد. تُعتبر هذه الديناميكية مثالاً واضحًا على النهج التقدمي الذي تتبعه الصين، حيث يتم تطوير الأطر السياسية والإدارية لاحقًا لتتماشى مع الواقع المحلي

 (Dupont, La politique économique chinoise, 145)

توسع الاقتصاد الصيني لم يتحقق بوسائل قانونية فقط، بل شمل أيضًا بعض الممارسات المثيرة للجدل. فقد اتبعت الصين استراتيجيات متنوعة لتحفيز الاستثمار، مثل تقديم حوافز تصديرية غير مباشرة وتسهيل قنوات تجارية غير تقليدية، ما دفع بعض المحللين إلى التحذير من احتمالية تصاعد سياسات حمائية في المستقبل. تتجاوز قنوات التجارة الغامضة للصين حدودها التقليدية لتشمل الشركات الصينية والأجنبية التي تستفيد من هذه السياسات (يوسف، الصين والاقتصاد العالمي، 213 (على الصعيد الدولي، أصبح صعود الصين كأحد أكبر المستثمرين الأجانب والشركاء التجاريين في آسيا النامية محور استراتيجيتها الدبلوماسية منذ التسعينيات. رغم أنها بدأت هذا الجهد متأخرًا مقارنةً بالاقتصادات المتقدمة مثل اليابان ونمور آسيا الأصغر مثل تايوان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايلاند، إلا أن الصين حققت تقدماً سريعاً، حيث أصبحت أكبر شريك تجاري للعديد من الدول في المنطقة. في حين كانت هذه الاقتصادات تدمج منذ فترة طويلة بين التنمية والسياسة الخارجية لتحقيق المنفعة المتبادلة، بدأت الصين في الثمانينيات بسياسات غير مخططة وغير ملائمة لمواجهة البيئة التنافسية، لكنها نجحت في تجاوز هذه العقبات وبناء علاقات تجارية قوية مع العديد من الدول النامية.

(Smith, China’s Diplomatic Strategy, 189)

هذا التحول الكبير في الاقتصاد الصيني يعكس تطوراً هائلاً في استراتيجياتها الاقتصادية والدبلوماسية، مما يضعها في قلب الاقتصاد العالمي ويجعلها لاعبًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل التجارة الدولية

(Dupont, L’avenir du commerce mondial, 203)

3.التحديات الجيوسياسية و الديناميات العسكرية

في القرن الحادي والعشرين، ترتكز الاستراتيجية الدفاعية للصين على حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية. تشمل هذه الاستراتيجية تحديث القوات المسلحة، بناء رادع قوي ضد التهديدات، وتعزيز قدرات مكافحة الإرهاب، مع التركيز بشكل خاص على تقوية الأمن البحري. يعد الصراع على جزيرة تايوان والسيطرة على بحر الصين الجنوبي من بين أبرز التحديات العسكرية والأمنية التي تواجه الصين، حيث تعتبرها قضايا حيوية تمس وحدة أراضيها وسيادتها الوطنية. تدعم الصين سياستها الدفاعية بمبدأ “الدفاع النشط”، مما يعني اتخاذ خطوات استباقية في الدبلوماسية الوقائية وحل النزاعات بطرق سلمية، مع الحفاظ على حماية مصالحها الوطنية بحزم

(Zhao,”China’s National Defense in the 21st Century”, 57).

يمثل تحديث الدفاع الوطني الصيني جزءًا من جهود أوسع للحفاظ على بيئة خارجية مواتية، تعزز الأمن والاستقرار وتدعم النمو الاقتصادي المستدام. وفي ظل التوترات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، تسعى الصين إلى تعزيز قدراتها البحرية لضمان سيطرتها على المناطق التي تعتبرها جزءًا من أراضيها، بينما تستمر في معارضة عقلية الحرب الباردة وأي شكل من أشكال الهيمنة الدولية. تروج الصين لمفهوم أمني يقوم على الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، وتسعى من خلاله إلى تحقيق السلام عبر التنمية، وتعزيز الحوار بين الحضارات، وتطبيق حكم شامل في العلاقات الدولية (Leclerc,”La stratégie militaire de la Chine moderne”, 112).

في السياق الدولي الحالي، تواجه القيم والمؤسسات الليبرالية الغربية تحديات متزايدة، خصوصًا من القوى الصاعدة مثل مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا). تعتبر الصين تحدي النظام الدولي القائم جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها الخارجية، حيث تسعى لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة بطرق سلمية، وتطمح إلى خلق بيئة دولية تحترم السيادة الوطنية والأمن (الناصر،”الصين والنظام العالمي الجديد”، 89).

من منظور بنائي، يُعتبر التغيير المعياري عنصرًا حاسمًا في التحولات التي يشهدها النظام الدولي. وعند مناقشة صعود الصين، من المهم مراعاة تاريخ علاقتها مع العالم خلال القرن العشرين، حيث اختلطت المخاوف بالآمال. تكمن الأهمية الجيوسياسية لصعود الصين ليس فقط في تأثيرها العسكري المحتمل، بل في قدرتها على بناء نهج جديد يقدم نقدًا معياريًا وأخلاقيًا للهيمنة الغربية. تسعى الصين من خلال استراتيجياتها الأمنية إلى تعزيز الأمن للجميع، وتدعو إلى تعاون بين الدول المختلفة في نظمها الاجتماعية، مما يشكل تحديًا للنهج التقليدي السائد في العلاقات الدولية منذ التحديات الليبرالية الأوروبية التي تلت عام 1918 (Zhao,”China’s National Defense in the 21st Century”, 88).”

4.التحديات الدبلوماسية والاستجابات المتغيرة

واجهت الصين انتقادات متعددة بسبب سياساتها ونتائجها الدبلوماسية، حيث يرى بعض المراقبين أن تلك السياسات قد تكون متأثرة بأيديولوجيتها الخاصة. في عام 1993، قدمت الصين تسعة مبادئ دبلوماسية أساسية تهدف إلى توجيه سياستها الخارجية في ثمانية مجالات رئيسية، وهي:

1. المصالح الواسعة: السعي لتحقيق مصالح شاملة تتجاوز العلاقات الثنائية التقليدية.

2. المنفعة المتبادلة: التركيز على تحقيق الفائدة المتبادلة في جميع العلاقات الدولية.

3. نطاق المصالح المشتركة: توسيع التعاون لتحقيق أهداف مشتركة بين الدول.

4. المساواة: التعامل مع جميع الدول على قدم المساواة بغض النظر عن حجمها أو قوتها.

5. العدالة: الالتزام بمبادئ العدالة واحترام القوانين والمعايير الدولية.

6. احترام السيادة: التأكيد على سيادة الدول ورفض التدخل في شؤونها الداخلية.

7. الصدق: تعزيز النزاهة والصدق في التعاملات الدبلوماسية (Wang,”China’s Diplomatic Principles”, 122).

ورغم أن هذه المبادئ تهدف إلى تعزيز علاقات دولية إيجابية، إلا أن بعض النقاد، مثل صن شيوفينغ، يعتقدون أن هذه المبادئ قد تكون مدفوعة بشعور الصين بالتنافس تجاه الدول الأخرى، مما قد يحد من جاذبية استراتيجياتها الدبلوماسية. وقد أثيرت هذه الانتقادات في وقت مبكر منذ عام 1985، عندما بدأت الصين تركز على تعزيز علاقاتها مع دول الجنوب في إطار سياسة الشمال والجنوب، وهي علاقات كانت دائمًا محط جدل (Leclerc,”La politique extérieure de la Chine”, 87).

تشكل التنمية السريعة في الصين تحديات على مستوى العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف، لا سيما في ظل التنوع الثقافي واختلاف النظم السياسية للدول. ومع تحول الصين إلى جزء من النظام الدولي السائد، أصبح من الضروري أن تتعاون مع الدول الكبرى لتحقيق تكامل أعمق مع ضمان أمنها القومي. تتطلب هذه العملية التعاون في مجالات رئيسية مثل التجارة، الاستثمارات، الطاقة، التمويل، المشتريات العسكرية، التعاون الصناعي. لذلك، يجب على الدول إدارة التناقضات الأساسية بفعالية، بما في ذلك الشعور بعدم الأمان تجاه تنامي قوة الصين، ومعالجة الفجوات التنموية ونقص الموارد، والالتزام بالمبادئ دون تقديم تنازلات كبيرة (الناصر،”التطورات الدبلوماسية الصينية”، 145).

تتوقف جدوى التنمية في الصين وقدرتها على الاستقلالية والمسؤولية على كيفية بناء علاقاتها مع الدول الأخرى. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تميل إلى اتباع نهج أحادي الجانب وغالبًا ما تكون غير مرحبة بنفوذ الصين المتزايد. في المقابل، تتمتع الصين بعلاقات متشابكة مع الدول الأوروبية، التي تشاركها بعض المصالح ولكن تبقى متوجسة من نظامها الاجتماعي. اليابان، رغم مشاركتها النشطة مع الصين، تواجه صراعًا داخليًا يتعلق بإرثها التاريخي، في حين تشعر كوريا بالقلق من صعود الصين. أما الدول الإسلامية، فهي تعتمد اقتصاديًا على الصين، لكنها تواجه تحديات شرعية بسبب قمع الصين للمسلمين الإيغور بمنطقة كسينجيانغ في إطار سياسية ” إعادة التأهيل” التي تنتهجها الصين ضدهم (Wang,”China’s Diplomatic Principles”, 154).

تحاول الصين أن تحقق توازنًا دقيقًا بين استخدام الوسائل “الناعمة” والقوة الصلبة في سياساتها الدفاعية والدبلوماسية. الوسائل “الناعمة” تشير إلى الأدوات غير العسكرية التي تعتمد على الدبلوماسية، الثقافة، والاقتصاد لبناء نفوذ الصين على الساحة الدولية. في المقابل، القوة الصلبة تتعلق باستخدام القوة العسكرية أو التهديد بها لحماية مصالحها (Leclerc,”La politique extérieure de la Chine”, 112).

الصين تسعى لتعزيز بناء التحالفات مع الدول الأخرى كجزء من استراتيجيتها الناعمة، حيث تعمل على توطيد علاقاتها مع الدول الصديقة لضمان دعمها في الساحات الدولية. في الوقت نفسه، تعمل الصين على استباق التأثيرات السلبية التي قد تفرضها الدول غير الصديقة، وذلك باستخدام “استراتيجية ناعمة صارمة” تعتمد على مزيج من الضغوط الاقتصادية والسياسية، مع الحفاظ على واجهة دبلوماسية سلمية (الناصر،”التطورات الدبلوماسية الصينية”، 187).

إلى جانب ذلك، تركز الصين على التعاون متعدد الأطراف بشكل عملي، حيث تشارك في منظمات دولية وإقليمية لتعزيز مصالحها المشتركة مع دول أخرى. ومع ذلك، تتعامل الصين بحذر مع التحديات التي قد تنشأ داخل هذه التحالفات، مثل تضارب المصالح أو النزاعات بين الأعضاء.

تستند جهود التنمية الصينية إلى مبادرات استباقية، تهدف إلى تعزيز قدراتها التنافسية على المدى الطويل. هذه المبادرات تستند إلى فهم عميق للسياق التاريخي للصين وتجاربها السابقة، مما يساعدها في تجنب الإفراط في التفاؤل أو الاعتماد على استراتيجيات دعائية غير فعالة. بدلاً من ذلك، تسعى الصين إلى اتخاذ خطوات محسوبة ومدروسة لضمان تحقيق أهدافها دون اللجوء إلى جهود فاترة أو استراتيجيات غير حاسمة (Leclerc,”La politique extérieure de la Chine”, 135).

بإضافة إلى ما سبق، تسعى الصين إلى استغلال قدراتها الاقتصادية الكبيرة لبناء نفوذ دولي من خلال مشاريع مثل مبادرة الحزام والطريق، التي تعزز الربط بين الصين والدول الأخرى عبر البنية التحتية والاستثمارات. هذا النهج يعكس رؤية الصين لبناء علاقات متينة قائمة على التعاون الاقتصادي، مما يساهم في تعزيز مكانتها كقوة عالمية مؤثرة (Wang,”China’s Diplomatic Principles”, 178).

ختامًا، يمكن القول إن استراتيجية الصين تعتمد على مرونة كبيرة، حيث تمزج بين الأدوات الناعمة والقوة الصلبة، وتوازن بين المبادئ الثابتة والتحركات الاستباقية لضمان تحقيق مصالحها في عالم متغير.”

قائمة المراجع المعتمدة وفقًا لنظام شيكاغو لتوثيق المراجع:

1. يوسف، محمد. “الصين في القرن الحادي والعشرين: صعود القوة الصينية وتحديات النظام الدولي القائم”. القاهرة: دار الفكر، 2023.

2. يوسف، محمد. *الصين والاقتصاد العالمي: تحولات وتأثيرات.* القاهرة: دار المعرفة، 2021.

3. الناصر، أحمد. “الصين والنظام العالمي الجديد: تحول القوى وتحديات الهيمنة”. بيروت: دار النشر العربية، 2021.

4. الناصر، أحمد. “التطورات الدبلوماسية الصينية: مقاربات واستراتيجيات”. القاهرة: دار الفكر العربي، 2022.

1.         Smith, John. “The Rise of China in the 21st Century: Economic and Geopolitical Implications.” New York: Global Publishers, 2022.

2.         Smith, John. *China’s Economic Expansion: Policies and Global Influence.* London: Economic Studies Press, 2022.

Zhao, Li. *China’s National Defense in the 21st Century: Strategy and Challenges.* Cambridge: Security Studies Press, 2020.

3.         Wang, Yi. *China’s Diplomatic Principles: A New Era in Global Relations.* New York: World Affairs Press, 2021.

4.         Dupont, Pierre. “La montée de la Chine au XXIe siècle: Enjeux géopolitiques et économiques.” Paris: Éditions du Monde, 2021.

5.         Dupont, Pierre. *La politique économique chinoise: Stratégies et défis.* Paris: Éditions Economiques, 2020.

6.         Leclerc, Jean. *La stratégie militaire de la Chine moderne: Défense et influence.* Paris: Éditions Stratégiques, 2019. 7.         Leclerc, Jean. *La politique extérieure de la Chine: Stratégies et défis contemporains.* Paris: Éditions Internationales, 2020

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.